زراعة الكبد هي العلاج الوحيد للمُصابين بفشل وظائف الكبد، وتُعتبر من أكثر جراحات زراعة الأعضاء شيوعًا، حيث يُستبدل العضو التالف بآخر سليم إذا كان المُتبرِّع مُتوفَّى، أما في حال كان التبرُّع من شخصٍ حيٍّ فيتمُّ أخذ جُزء من الكبد للشخص المُصاب.
بدأت أول عملية زراعة كبد في عام 1968 على يد الدكتور الأمريكي توماس ستارزل، وقد كُلّلت العملية بالنجاح. وفي أوائل الثمانينات استُخدم دواء سيكلوسبورين المُستخلص من الفطر للمرضى الذين أجروا عملية زراعة الكبد، وقد ساعد هذا الدواء على ارتفاع نسبة بقاء المُصابين على قيد الحياة ثلاثة أضعاف، فتمَّت المُصادقة على عملية زرعة الكبد رسميًّا كعلاج للمرضى المُصابين بفشل الكبد في مراحله الأخيرة.
يُعتبر الكبد من أكبر أعضاء الجسم الداخلية، وله أهمية كبيرة في جسم الإنسان وأي خلل في وظائف الكبد قد يُؤدِّي إلى حُدوث مخاطر صحية تصل إلى حدِّ الوفاة، حيث إنه يُنتج عصارة المرارة التي تعمل على امتصاص الدهون والفيتامينات الذائبة في الدهون والكوليسترول الضار، ويُنتج البروتينات التي لها أهمية في تجلُّط الدم، ويُزيل السموم والبكتيريا الضارَّة في الدم، كما أنه يقي من العدوى.
قد يكون المُصاب يمتلك كبدًا طبيعيًّا، ثم يُصاب بمرضٍ ما كالتَّسمُّم الدوائي أو الالتهابات الفيروسية، فتتدهور حالته بشكلٍ سريع، وتُصبح وظائف الكبد غير قادرة على القيام بعملها، مما يُشكِّل خطرًا على حياته، إذ قد يتعرَّض إلى الإصابة بالغيبوبة نتيجة فشل الكبد الحاد، فيلجأ الطبيب في هذه الحالة إلى إجراء زراعة الكبد.
قد يُصاب المريض بفشل الكبد المُزمن لأسبابٍ عديدة مثل:
وفي هذه الحال تتدهور حالة المريض تدريجيًّا نتيجة فشل وظائف الكبد في أداء عملها، وتظهر عليه أعراض مثل اصفرار الجلد، واحتباس السوائل في البطن، والتدهور العقلي، أو أعراض سرطان الكبد، وعلى الرغم من أن الكبد قد يعمل بشكل بسيط، فإن المُصاب قد لا يتحمَّل بعض الأعراض الحادَّة التي تظهر مثل الإصابة بالحكَّة الشديدة التي لا تُجدي العلاجات الدوائية بها نفعًا، وكل هذه العوامل من شأنها أن تستدعي إجراء عملية زراعة الكبد.
عند إقرار الطبيب المُختص بضرورة إجراء عملية زراعة الكبد، يقوم بتحويل المُصاب إلى مركز زراعة الأعضاء، أو اختيار المركز الذي يراه مناسبًا، بحيث يكون على دراية بعدد عمليات الزرع التي تُجرى في المركز أو المستشفى المُختص سنويًّا، ومعرفة أنواع عمليات الزرع، والاستفسار عن مُعدَّل الشفاء والبقاء على قيد الحياة بعد زراعة الكبد، بالإضافة إلى معرفة التكاليف المادية التي سيتكبَّدها المُصاب كاملةً، سواء كان قبل، وفي أثناء وبعد العملية.
سيقوم مركز زراعة الكبد بعمل تقييم للمُصاب والمُتبرِّع للتأكُّد من توافُر شروط زراعة الكبد لكلا الطرفين لضمان نسبة نجاح عملية زراعة الكبد مرتفعة، ولتجنُّب المخاطر على الطرفين، حيث يجب أن تتوافر بهما الشروط التالية:
بعد تقييم حالة المتُبرع والمُصاب وإمكانية إجراء عملية زراعة الكبد، يتم عمل اختبارات وفحوصات للمُصاب تتضمَّن عمل اختبارات للدم والبول، وإجراء اختبار ألترا ساوند على الكبد، وعمل اختبارات على القلب، وفحص عام على الصحة، مثل فحص السرطان، والتأكُّد من خُلوِّ جسم المُصاب من الأمراض التي تؤثر على نسبة نجاح عملية زراعة الكبد.
يتم اختيار مُتبرِّع حي يتمتَّع بصحَّة سليمة، ومناسب لأن يتبرَّع للمُصاب على أن يتم الأخذ بالاعتبار العُمر وفصيلة الدم إذا كانت متطابقة وحجم الكبد، وغالبًا ما يكون المُتبرِّع من أفراد العائلة أو الأصدقاء، حيث يتم التبرُّع بجُزء صغير من الكبد للمُصاب، علمًا بأن حجم الكبد يعود إلى طبيعته للمُتبرِّع في خلال شهرين من إجراء العملية الجراحية، كما يستعيد الجُزء المزروع للمُصاب وظائفه الطبيعية في نفس الفترة.
تُعتبَر زراعة الكبد من مُتبرِّع حيٍّ أفضل من مُتبرِّع مُتوفَّى، إذ إن المُصابين تقلُّ لديهم نسبة خطر الإصابة بالمُضاعفات المُحتملة في أثناء عملية الزرع أو بعدها، وفُرصة البقاء على قيد الحياة لمدة أطول أقرب.
عند التسجيل في قائمة انتظار كبد من مُتبرِّع مُتوفَّى، يتم الاتصال بالمُصاب عند الحصول على الكبد وعمل الإجراءات اللازمة للتأكد من تطابُق كبد المُصاب والمُتبرِّع، ثم يأتي المُصاب إلى المستشفى لإجراء العملية على أن يكون صائمًا في هذا اليوم، وقبل إجراء العملية يتم إعلام الطبيب عن كيفية الزراعة ثم توقيعه على مُوافقة ورقية لإجراء العملية.
يُطلَق عليها أيضًا عملية الزرع الدومينو، وهي من العمليات الأقل شيوعًا عن غيرها من أنواع زرع الكبد، حيث يحصُل المُصاب على الكبد من مُتبرِّع حيٍّ مُصاب بمرض الداء النشوائي العائلي، وهو مرض نادر يُسبِّب تراكُم نسبة البروتين في الجسم بشكلٍ غير طبيعي؛ مما يُؤدِّي إلى تلف معظم أعضاء الجسم الداخلية.
يمنح المُتبرع جُزءًا من كبده للُمُصاب لأن الكبد لا يتأثر بالمرض، إلا أن تلك العملية لا يقوم بها الأطبَّاء إلا للأشخاص من هم أكبر من 55 عامًا، وذلك لأنهم قد لا يتعرَّضون لخطر الإصابة بداء النشواني العائلي، الذي يُعَدُّ من مُضاعفات العملية، حيث يُصيب المُتلقِّي للكبد بعد عقود من الزمن.
في حال كان المُتبرِّع حيًّا، يتم تخدير المُصاب والمُتبرِّع بالتخدير العام، ثم يقوم الطبيب الجرَّاح باستئصال جُزء من كبد المُتبرِّع، حيث يقوم الطبيب الجرَّاح بعمل شق في البطن للمُتبرِّع، ثم يتم عمل شق طويل في بطن المُصاب لاستئصال الكبد المريض، ويضع مكانه جُزء الكبد الذي تم أخذه من المُتبرِّع، ويتم بعد ذلك ربط القنوات الصفراوية والأوعية الدموية بالكبد الجديد. وتتم نفس الإجراءات في حال كان المُتبرِّع مُتوفَّى، حيث يتم تخديره ومباشرة العملية.
عادةً ما يستفسر المُصاب وأهله كم ساعة تستغرق العملية فيُجيب الطبيب المُختص بأن العملية قد تستغرق نحو 12 ساعة تقريبًا أو أكثر، مع العلم بأن العملية الجراحية تتم للمُصاب وللمُتبرِّع في الوقت ذاته.
ما بعد زراعة الكبد يتم إبقاء المريض والمُتبرِّع إذا كان حيًّا، في وحدة العناية الفائقة لأيام، حيث تتم مُراقبة المريض من قِبَل الأطبَّاء والمُمرِّضين لمُلاحظة حُدوث أي مُضاعفات، ويتم عمل اختبار لوظائف الكبد الجديد للتأكُّد من وجود أي إشارة تدلُّ على عمل الكبد.
وبعد استقرار الحالة، يُنقل المريض إلى الغُرفة العادية لفترة تتراوح بين خمسة وعشرة أيام، وخلالها يُجرى عديدًا من الفحوصات، وبعد الخروج من المستشفى يستمر المُصاب في التعافي، ويُجرى له مزيد من الفحوصات بشكل أسبوعي إلى تمام التعافي.
يتوقَّع الطبيب عادةً الشفاء التام بعد العملية في غضون ستة أشهر. كما يُعطى المريض أدوية تستمر لبقية حياته، مثل مُثبِّطات المناعة للحدِّ من مُهاجمة الجهاز المناعي للكبد المزروع، ويُعطى أدوية أخرى تُساعد في التَّخفيف من خطر الإصابة بالمُضاعفات.
وفقًا للدِّراسات والأبحاث، فإن نسبة نجاح عملية زراعة الكبد تعتمد على حالة المريض، ولكن بصفة عامة فإن 75% من المُصابين الذين أجروا العملية يبقون على قيد الحياة لمدة خمس سنوات على أقل تقدير، وقد تزداد مُعدَّلات النَّجاة في حال كان المُتبرِّع حيًّا.
تكمُن أضرار زراعة الكبد في المُضاعفات التي قد تحدث للمُصاب، مثل مُهاجمة الجهاز المناعي للكبد المزروع، ورفض الجسم له، وحصول تخثُّر دموي أو نزيف، وقد تتقلَّص القناة الصفراوية، أو يحدث تسريب للمادة الصفراوية، ومن المُمكن أن يُصاب المريض بالعدوى، أو بعض التشنُّجات العصبية، والأخطر من ذلك أن يحدث فشل في الكبد المزروع.
قد تحدث مُضاعفات جرَّاء تناول أدوية تثبيط المناعة المهمة للمريض، والتي لا غنى عنها مدى الحياة، حيث تحدث بعض الآثار الجانبية من أهمِّها ضعف المناعة مما يُؤدِّي إلى سُرعة الإصابة بالعدوى، وفي بعض الحالات تسبب تلك الأدوية الإسهال أو الشعور بالصُّداع، وقد ترتفع كمية الكوليسترول في الدم، مما يُؤدِّي إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وفي بعض الحالات يُصاب المريض بداء السكري، وترقُّق في العظام.
تختلف حياة المُصاب بعد الزرع، حيثُ يتوجَّب عليه اتِّباع نظام حياة صحِّي يتناسب مع حالته للحفاظ على صحَّة الكبد المزروع وتجنُّب مخاطر المُضاعفات وتلف الكبد، وكي يحدث هذا لا بُدَّ أن يهتم بالنظام الغذائي الخاص، وذلك باتِّباع ما يلي:
معلومات التواصل
احصل على استشارة مجانية وإجابات على جميع أسئلتك عبر إكمال النموذج أدناه
احصل على استشارة مجانية وإجابات على جميع استفساراتك عبر تقديم الطلب أدناه