سرطان غشاء الجنب أو ورم المتوسطة الخبيث (Malignant mesothelioma)، هو أحد أنواع السرطانات التي تُصيب الأغشية التي تُحيط بالرِّئتين (يُطلق عليها أيضًا غلاف الجنب Pleura، وهو الذي يُحيط بالرِّئة)، وهو من الأورام الخبيثة القاتلة والنَّادرة في الوقت نفسه، والمعروف علميًّا أن تلك الأغشية تُحيط بكل عُضو في الجسم من أجل سلامته.
وهذا النوع من الأورام لا يُصيب سوى من تخطَّى عُمر الخمسين، لأن الدِّراسات أكَّدت أن هذا الورم فترة حضانته عشرون عامًا على أقل تقدير، وفي هذا الموضوع سنتناول بالتفصيل كل المعلومات المتعلقة بسرطان غشاء الجنب والتهاب غشاء الجنب وكثير من المعلومات المتعلقة به.
إن سرطان المتوسطة الخبيث أو الميزوثليوما Mesothelium، لا يُعلن عن نفسه إلا لدى الأشخاص الذين قد تعدّوا خمسين عامًا، وربما يظهر في فئة الشباب ذات الأربعين أو الثلاثين، أو أقل من هذا، وهؤلاء في الغالب يكونون قد تعرَّضوا للمسببات خلال فترة طفولتهم، وللأسف النسبة التي استطاعت التغلب على سرطان غشاء الجنب لا تتعدَّى 2%، نظرًا لأنه من أندر وأخطر أنواع السرطانات.
أكدت الأبحاث الطبية أن الأورام السرطانية بشكل تظهر بعد حدوث عدَّة طفرات بالحمض النووي داخل الخلية، وهذا الحمض هو المُرشد للخلية من أجل قيامها بعملها كما ينبغي، وبعد حدوث تلك الطفرات تتصرَّف الخلية بشكل مُتهوِّر في النمو، مما يؤدي إلى تراكُم الخلايا بشكل شاذ، فيحدث الورم بشكل عام، ولكن هل المسببات التي تؤدي إلى الإصابة بورم المتوسطة الخبيث نفس الأسباب السَّابق ذكرها؟ هذا ما سنتعرف عليه بالتفصيل.
إن المسببات كثيرة، لكنها تدور في إطار مُرتبط ببعضه البعض بشكل كبير، وتتمثَّل الأسباب في:
يُعَدُّ السبب الرئيسي للإصابة بسرطان المتوسطة الخبيث كما أوضحت الدِّراسات العلمية تعرُّض الإنسان لاستنشاق ألياف الأسبستوس Asbestos الخطيرة.
خيوط الأسبستوس عبارة عن ألياف متعددة الأنواع، وتوجد في البيئة المُحيطة بالإنسان بشكل طبيعي، لكن أكثرها خطورة على البشر هو الأمفيبول Amphibole، وسبب خطورته أنه عبارة عن خيوط طويلة تتَّسم بالقُطر الصغير، مما يُسهِّل دخولها إلى جهاز الرئة، وتمُرُّ مباشرًة إلى التجاويف الهوائية الصغيرة الموجودة داخل الرئتين، وتترسَّب هناك، أو تتعلَّق بغلاف الجنب المُغلف للرئة، ويُصاحب هذا تغيُّرات كثيرة تؤدي في النهاية إلى الإصابة بورم المتوسطة الخبيث، لكن آلية الإصابة لا تزال غير واضحة حتى الآن للعلماء.
الجدير بالذكر أن ألياف الأسبستوس نوع من المعادن المفيدة التي لا غنى عنها، والتي يستفيد منها الإنسان في مجالات صناعية كثيرة، منها على سبيل المثال: (منتجات الفرامل والعزل - منتجات الأسقف والأرضيات)، وغيرهما كثير، وتتم الاستفادة من هذه المادة من خلال عملية تفكيك للألياف أو عملية عزل لها، والتي من خلالها تتحوَّل المادة إلى غبار مما يُسهل بلعها أو استنشاقها من خلال الهواء، وأغرب ما في الأمر هو أن ظهور أعراض ورم المتوسطة، لا يتم إلا بعد مُضيِّ مدة طويلة من الزمن، قد تتراوح بين عشرين وستين عامًا من بعد التعرض لمادة الأسبستوس، بل إن الإصابة تتوقَّف على الاستعداد الصحي لدى الفرد للإصابة، فليس كل من تعرَّض لهذه المادة قد أُصيب.
سرطان الجنب من المُمكن أن يُصيب طبقات الأنسجة الرقيقة التي تحيط وتغطي أعضاء الإنسان الداخلية، مثل: (الرئة - المعدة - الخصيتين - القلب)، والتي يُطلق عليها علميًّا الظهارة المتوسطة، وسنتناول بالتفصيل بعض هذه الأنواع:
سجَّلت الدِّراسات العلمية الحديثة عدَّة أنواع من ورم المتوسطة، وذلك على حسب الجهاز الذي تصيبه، وتتمثَّل تلك الأنواع في:
وهنا يجدر بنا إلقاء الضوء على نقطة هامة، وهي تخص وظيفة غشاء الجنب في جسم الإنسان وأهميته، إلى جانب معرفة المشاكل الصحية الأخرى التي قد يتعرض لها.
غشاء الجنب هو أحد أشكال الظهارة المتوسطة، وهو عبارة عن الطبقة المُبطنة لتجاويف أعضاء الجسم، مثل:
وغشاء الجنب يكون أحادي الخلية، وتلك الخلية تتميَّز بطبيعتها المُسطحة، إلى جانب تكوينها من نسيج ضام يتَّسم بالرقة الشديدة، إذن ما دور غشاء الجنب في سرطان غشاء الجنب؟
عندما يتعرض الإنسان للأسباب السابق ذكرها، يتعرض للإصابة بسرطان غشاء الجنب، وعندما يتعرض ذلك الغشاء لتغيرات عديدة تجعله غير مُسيطر على النمو للخلايا الموجودة به، فتنمو بشكل جنوني غير منظم، وهذا يجعلها تقوم بتدمير ما يُجاورها من أنسجة تُحيط بالأعضاء، وقد أوضحت الدِّراسات العلمية أن الورم يبدأ بغشاء الجنب أوَّلًا، ثم ينتشر بعد ذلك بشكل سريع جدًّا في باقي الأجزاء.
وهنا لا بد أن نتعرَّف بالتفصيل على الدور الرئيسي الذي يقوم به غشاء الجنب للرئتين، وما أهميته لها؟
جميع الخلايا الموجودة في الجسم تحتاج إلى أكسجين من أجل بقائها حيَّة، ومن هنا تنبع أهمية غشاء الجنب في عمل التهوية الرئوية، وقبل التطرق إلى التفاصيل، لا بُدَّ أن نُلقي الضوء على بعض النقاط، وهي:
تتم عملية تهوية الرئة وتبادل الغازات من خلال الشجرة القصبية والرئة، حيث إنهما هما المسؤولان عن تنفُّس الإنسان، وغشاء الجنب Pleural cavity يتميز برقته الشديدة ويغطي تجويف الصدر والرئة بالكامل، فهو يشبه قطعة حرير ملساء، ويُطلق على الجزء الذي يقوم بتغطية الرئة اسم (غشاء جنب أحشائي أو غشاء جنب رئوي)، أما بقية الأجزاء فالذي يقوم بتغطيتها يُسمى (غشاء جنب جداري، أو جدار صدر)، وتتَّحد أجزاء الغشاء معًا في منطقة الجذر الرئوي.
في حالة الإنسان الطبيعي عندما يتم التلامس بين جزأي غشاء الجنب بمنطقة الجذر الرئوي، يتم إفراز سائل مائي خفيف حتى تتم عملية التنفس والتهوية الرئوية بشكل صحيح، إذن دور غشاء الجنب بالفعل رئيسي وفعَّال في بقاء الإنسان حيًّا.
في حالة إصابة غشاء الجنب بالتهاب، أو ما يُسمى بذات الجنب Pleurisy، يصبح هذا الغشاء جافًّا ولا يسمح بحركة الرئتين بسهولة في الصدر خلال عملية التنفس، فيتحوَّل سطح الغشاء إلى الخشونة، ويحتك الصدر بشكل مُؤلم كأنه احتكاك بين ورقتين من الصنفرة، فيصبح التنفس عملية شاقة ومؤلمة، وقد يصل الأمر إلى حدوث مشاكل صحية كبيرة.
دور غشاء الجنبPleural cavity في عملية التهوية الرئويةVentilation Pulmonary يتلخَّص في:
إن التهاب الجنب يحدث عندما يصاب الغشاء الذي يُحيط بالرئة بالتهاب، وهو غشاء يحتوي على أنسجة تقوم بتبطين التجويف الصدري الذي يُحيط بالرئة، وكذلك الأنسجة الموجودة حولها، ويُطلق على التهاب الجنب أيضًا اسم التهاب الغشاء البلوري، ولا بد قبل عرض الأعراض المُصاحبة أن نتعرَّف على الأسباب التي تؤدي إلى التهاب الغشاء البلوري
هناك أسباب متنوعة يكون فيها الإنسان أكثر عرضة للإصابة بالتهاب الجنب. وفي الغالب يصاب غشاء الجنب بالالتهاب عندما يتعرض لمهيجات أو التهابات متعددة. والتي تحدث نتيجة التالي:
تظهر أعراض مزعجة لمن أصيب بالتهاب الجنب. ولكن ربما تتشابه هذه الأعراض مع أمراض أخرى. لذا يجب استشارة الطبيب والتأكد منه، وتتمثَّل الأعراض في:
عند الذهاب إلى الطبيب المُختص، سيتخذ عدَّة إجراءات للكشف عن الإصابة بالتهاب غشاء الجنب، والتي تتمثَّل في:
طرح أسئلة هامة: سيسأل الطبيب عن التاريخ المرضي للمريض، وعمل فحص بالسماعة للاستماع إلى صوت الاحتكاك الجنبي Pleural Friction Rub.
عمل الفحوصات المعملية: والتي تحدد ما إذا كان هناك اضطرابات مناعة ذاتية ووجود مرض الروماتويد أو التهاب مفاصل أو ذائبة أو عدوى بكتيرية أم لا. وإذا كانت موجودة فهذا معناه علامة أولى لوجود التهاب غشاء الجنب.
أشعة سينية على الصدر: هذا النوع من الأشعَّة يُظهر أي انتفاخ موجود في الرئة، فضلًا عن اكتشاف وجود سوائل بين الضلوع أو في الرئة، وفي الغالب يوصي الطبيب بعمل أشعَّة سينية في وضع الاستلقاء على الجنب.
عمل تخطيط لكهربية القلب (ECG أو EKG) :وهذا النوع من الفحوصات يختبر القلب وصحَّته. فقد يكون هو مصدر الشعور بألم في منطقة الصدر وليس التهاب غشاء الجنب.
فحص موجات فوق صوتية: والتي لا بد أن تكون ذات تردد عالٍ، لأنه يصدر أدق تصوير للجسم. ومن خلال هذا الفحص يكتشف الطبيب الإصابة بالانصباب الجنبيPleural Effusion أم لا توجد إصابة.
فحص تصوير مقطعي محوسب (CT): في هذا الفحص يقوم الكمبيوتر بترجمة ما تم التقاطه في الأشعَّة السينية. ويحوِّلها إلى شرائح رفيعة تتضمَّن معلومات وافية عن حالة الصدر. وتكون أكثر تفصيلًا، وهذا يساعد الطبيب في اكتشاف الإصابة بجلطات دموية. تكون هي مصدر الألم، وليس الالتهاب في غشاء الجنب. وكذلك تمكن الطبيب من معرفة الأسباب المختلفة للشعور بالألم الجنبي.
التهاب غشاء الجنب قابل للعلاج إن تم اكتشافه مبكِّرًا، والجدير بالذكر أنه مرض غير معدٍ. أما عن خطة العلاج فتتمثَّل في: