الغذاء هو الذي يمُدُّ الجسم بالموادِّ الأساسيَّة التي تُساعده على العيش، وينتقل الغذاء إلى المعدة عن طريق عضو مهم وحسَّاس، وهو المريء، ولكي يستمر الإنسان في تناول الطعام على نحو مُريح دون آلام، يجب عليه الحفاظ على صحَّة المريء، الذي هو عضو أساسي في الجهاز الهضمي.
ورغم كونه أنبوبًا عضليًّا قليل الحجم نسبيًّا؛ فإن عملية البلع ووصول الطعام إلى المعدة تعتمد عليه، كما أنه يمنع الطعام ومحتويات المعدة من العودة إلى الفم مرَّة أخرى، عن طريق العاصرتين العُليا والسُّفلى، وللأسف قد يُواجه هذا العضو بعض المشكلات الصحية معروفة الأسباب، أو مجهولة الأسباب.
من هذه المشكلات الصحية مرض سرطان المريء، وهو نمو شاذ للخلايا المُبطِّنة للمريء، تُؤدِّي بالنهاية إلى صعوبة في البلع، وأعراض أخرى خطيرة، تُحوِّل نمط حياة الإنسان المُصاب به إلى الأسوأ، ويلجأ الأطبَّاء والجرَّاحون إلى إجراء من شأنه تخفيف أعراض سرطان المريء أو القضاء عليه، وهو استئصال المريء، والاستعانة بالمعدة، أو الأمعاء الغليظة للقيام بوظيفته.
واستئصال المريء إجراء له خطورته، يلزم قبله فحوصات وتحاليل وصور أشعَّة، للتأكد من أنسب الطرق الجراحية، بين الجراحة العادية والمنظار، ثم إنه بعد إجراء استئصال المريء ستُصبح المعدة أصغر من ذي قبل، كما أن النظام الغذائي للمريض سيتغيَّر بعد الجراحة، ولن يعود كسابقه؛ لذا ينبغي التنبُّه جيِّدًا لتعليمات الطبيب، وتناول وجبات صغيرة.
يقع المريء في المنطقة الوُسطى بين الفم والمعدة، وهو عبارة عن قناة عضلية تنقل الطعام من الفم إلى المعدة، ويبلغ طوله من عشرين إلى خمسة وعشرين سنتيمترًا، ويبلغ عرض المريء سنتيمترًا ونصف إلى سنتيمترين، ولا يكاد يشعر الإنسان بوجوده إلا في حالة تناوله شيئًا ساخنًا أو باردًا بدرجة مُرتفعة، أو في حالة ابتلاعه شيئًا كبيرًا نسبيًّا؛ لأن الشخص يشعر في هذه الحالات الثلاث ببعض الألم.
هذا، ولا يختلف طول المريء من شخص طويل إلى شخص قصير؛ فطوله تقريبًا واحد، وهو يُوجد تحديدًا أمام العمود الفقري وخلف القصبة الهوائية والقلب، ويمُرُّ من خلال عضلة الحجاب الحاجز قبل وصوله إلى المعدة، ويأخذ المريء شكلًا عموديًّا متجهًا إلى المعدة، ويُستثنى من ذلك انحناءان، يستطيع الطبيب رُؤيتهما في صورة الأشعَّة واضحين.
تعتمد تغذية المريء بالدم على ثلاثة شرايين رئيسية:
وهناك عاصرتان للمريء يتكوَّن منهما:
أوَّلًا: العاصرة العلوية: تخضع العاصرة العلوية للجهاز العصبي الإدراكي، تتكوَّن من ألياف عضلية هيكلية، تمنع في حالة انقباضها دخول الطعام إلى القصبة الهوائية، وللعاصرة العلوية وظائف أخرى هي: التجشُّؤ والتَّقيُّؤ والتنفُّس.
ثانيًا: العاصرة السُّفلية: تمنع العاصرة السُّفلية ارتجاع الحمض من المعدة إلى المريء في أثناء هضم الطعام، وتتكوَّن العاصرة السفلية من مجموعة ألياف عضلية ملساء، لا يستطيع الإنسان التحكم فيها، ومكانها أسفل المريء.
للمريء وظيفتان أساسيتان، هما:
ومن أعراض حُرقة الفُؤاد ألم شديد مصحوب بحُرقة في الصدر، ويعود السبب في ذلك إلى رجوع حمض المعدة (الهيدروكلوريك) إلى المريء من المعدة، وقد يعود السبب في هذا المرض إلى داء الارتداد المعدي المريئي، ومثال على ذلك ما يحدث خلال فترة الحمل.
هذا المرض أساسه عدم قُدرة عضلات العاصرة السُّفلية على الإغلاق بشكل مُحكم، وهذا الوضع يجعل محتويات المعدة كالأحماض ترتد باتِّجاه المريء، وهذا ينتج عنه تهيُّج وتدمير لجدار المريء، وإذا استمرت هذه الحالة دون علاج، فإن هناك خطرَ حُدوث سرطان المريء.
عندما ينحني المريض أو يستلقي، أو يُكثر من تناول الطعام إلى درجة التُّخمة فإن الأعراض السَّابقة تُصبح سيئة جدًّا، كما أن هناك عدَّة عوامل قد تكون سببًا في الارتجاع أو مُهيِّجة له، وهي:
هناك عوامل تزيد من خطر إصابة المريء بهذا المرض، وهي:
عند تعرُّض المريء بعض المواد؛ مثل حبوب اللقاح، ومرض التهاب المريء اليوزيني، وهذا المرض نادر الحُدوث، ويحدث نتيجة تراكُم الحمضيات (خلايا الدم البيضاء) في المريء، وينتج عن هذا التراكُم التهابات وأضرار، من المُمكن أن تكون سببًا للألم، وتكون الأعراض مصحوبة بمشاكل في البلع، كما يحدث توقف للطعام في الحلق ولا ينزل إلى المعدة.
تشمل أعراض التهاب المريء ما يلي:
بالإضافة إلى هذه الأعراض في الكبار هناك أعراض التهاب المريء في الرُّضَّع والأطفال الصغار، وهي:
وهذا المرض ليس له أعراض في بدايته، وإنما تظهر في الحالات التي تأخَّر علاجها، على هيئة فقدان للوزن وكُحَّة مُستمرَّة وصعوبة في البلع.
تكون بداية سرطان المريء من الطبقة الداخلية، ثم تنشط الخلايا السرطانية، وتنتشر إلى الطبقات الخارجية منه مُسبِّبة الإصابة لأعضاء الجسم الأخرى، وفي هذه الحالة يُمكن تسمية السرطان الورم الخبيث، وهناك نوعان من السرطان يُصيبان المريء، وهما:
النوع الأول: (سرطان الخلايا الحرشفية)
في هذا النوع من السرطان تُوجد الخلايا الحرشفية على الطبقة الداخلية للمريء، على كامل وطول المريء.
النوع الثاني: (سرطان الغُدِّية)
يحدث هذا النوع من سرطان المريء عندما تستبدل خلايا الغُدد بالخلايا الحرشفية التي تُبطِّن المريء، وهذا النوع ينتشر في المريء السُّفلي قريبًا من المعدة، وهناك اعتقاد بارتباط السرطان الغُدِّي بوقوع المنطقة السُّفلى عُرضةً للحمض المعدي.
أسباب استئصال المريء هي التخلُّص من سرطان المريء أو التخفيف من أعراضه، ويتم اللجوء إلى عملية استئصال المريء عندما يكون سرطان المريء في المراحل المتقدمة، التي لا تُجدي معها الأدوية، ويتمثَّل استئصال المريء في إزالة جُزء من المريء أو كله، واستبداله بعضو آخر يقوم بوظيفته، وأكثر الأعضاء ترشُّحًا لهذا الغرض المعدة، وفي بعض الأحيان تُستبدل الأمعاء الغليظة بالمريء.
كما يُمكن إجراء جرَّاحة استئصال المريء في حالة مريء باريت (سنشرحه لاحقًا)، وذلك في حالة إذا ما كانت الخلايا الموجودة تحتمل التحوُّل إلى سرطان.
سيطلب الأطبَّاء من المريض التوقُّف عن التدخين إن كان مُدخِّنًا، وسيُخطرونه بالمُضاعفات والمخاطر، التي قد يتعرَّض لها خلال العمليَّة، وبعدها، وعلى المريض أن يتحدَّث مع أسرته في التجهيزات الخاصَّة بعملية استئصال المريء، وعن إقامته كيف ستكون داخل المستشفى، وكيف سيُعاد تأهيله بدنيًّا ونفسيًّا بعد الجراحة، فور عودته إلى المنزل، وعن نمط حياته بعد ذلك، ودور المُحيطين به في تنظيم حياته بعد الجراحة.
سيتكلَّم الطبيب مع المريض حول تناوله بعض الأدوية، ومتى ينبغي التوقُّف عن تناولها قبل الجراحة، وكذلك الوقت المناسب لتوقُّفه عن الطعام والشراب قبل العملية في الليلة التي تسبق إجراءها.
وعلى المريض أن يستجيب لتوصيات الجرَّاحين بإحضار بعض المتعلقات إلى المستشفى قبل العملية؛ مثل:
خلال عملية استئصال المريء يُزيل الجرَّاح المريء بالكامل، أو يلجأ إلى استئصال المريء بشكل جُزئي، ويتم ذلك عن طريق إحداث شقٍّ في البطن، أو آخر في الصدر، أو إحداث الشَّقِّ في كليهما معًا. ويلجأ الأطبَّاء في بعض حالات استئصال المريء إلى الجراحة طفيفة التوغُّل، وذلك عن طريق المنظار أو بمُساعدة التكنولوجيا المتقدمة (روبوت)، وفي خلال هذه الجراحة يحدث الجرَّاح عدَّة شقوق صغيرة، لتدخل منها أدوات الجراحة والمنظار، وهناك ميزة في هذه الجراحة أنها تُؤدِّي إلى التعافي بشكل أسرع من المدة التي تحتاج إليها الجراحة التقليدية.
تتلخَّص مضاعفات عملية استئصال المريء في وجود بعض المخاطر، التي تنتج عن استئصال المريء وهي:
يشعر أغلب المرضى الذين خضعوا لعملية استئصال المريء بتحسُّن كبير في نوعيَّة الحياة، ولكن بعض الأعراض تظل موجودة، لذا لن ينتهي الأمر بمجرد استئصال المريء؛ فهناك الرعاية التفقدية التي يُوصي بها الأطبَّاء بعد إجراء الجراحة، وتشمل ما يلي:
من أمراض المريء مريء باريت، وهو مرض يحدث فيه تغيُّر في النسيج المُبطِّن لأنبوب المريء، ويستبدل إلى نسيج مُشابه للنسيج المُبطِّن للأمعاء، وغالبًا ما يشخص هذا المرض لدى المرضى الذين أصيبوا بمرض الارتداد المعدي المرِّيئي، ومعناه صعود الحمض المعدي إلى القطاع السُّفلي من المريء، وعمومًا فإن عددًا قليلًا من الأشخاص المُصابين بالارتداد المعدي المرِّيئي سيُصابون بمريء باريت.
ويعتقد أن خطر الإصابة بسرطان المريء يعود بنسبة ضئيلة إلى الإصابة بمريء باريت، وبذلك يُصبح الفحص المُنتظم عاملًا وقائيًّا، عند اكتشاف خلايا تحتمل التحوُّل إلى سرطان، وعلاجها مبكرًا يمنع الإصابة بسرطان المريء.
لا يُعرف السبب الرئيسي للإصابة بمريء باريت، ولكن أغلب الأشخاص الذين أصيبوا بالارتجاع المعدي المرِّيئي طويل المدى أصيبوا بهذا المرض، وذلك لأن محتويات المعدة تعود إلى المريء مُسبِّبة تدميرًا لأنسجته؛ مما يجعل المريء يُحاول بناء نفسه مرَّة أخرى؛ فيتحوَّل نسيجه إلى ما يشبه نسيج الأمعاء، وهذا هو السبب الذي يعتقد أنه وراء مريء باريت، وليس هذا هو التفسير الصحيح في كل الأحوال، فبعض الأشخاص الذين يُعانون من ارتجاع الحمض أو حُرقة المريء لا يُعانون من مريء باريت.
قد تتسبَّب بعض العوامل في رفع خطر إصابة المريء بمرض مريء باريت، وهي:
معلومات التواصل
احصل على استشارة مجانية وإجابات على جميع أسئلتك عبر إكمال النموذج أدناه
احصل على استشارة مجانية وإجابات على جميع استفساراتك عبر تقديم الطلب أدناه